السبت، 19 مايو 2012

كلمة أخيرة بشأن الانتخابات

أود أن أوضح مجموعة من النقاط :

أولاً : لم تقم الثورة و لم يقتل من قتل ويصاب من أصيب ويسجن ويسحل ويهان من كان من أجل أن نجري انتخابات نعرف أن هناك احتمال لا بأس به أن يفوز بها أحمد شفيق أو عمرو موسى بتزوير أو بدون .. نحن نستحق أفضل من هذا .. ولا أرى الدم بهذا الرخص الذي يراه الناس ..

وقناعتي الشخصية أن من نزل الى الميدان ووقف فيه محتجاً تحت قيظ الشمس أو نام فيه معتصماً في زمهرير الشتاء على أرضه الصلبة القاسية .. ومن شارك في وقفة احتجاجية أو مسيرة تحت الشمس الحارقة .. ومن حمل شهيد أو مصاب أو استُشهد أو اصيب قريب له ..أو رأي جثة شهيد أو مصاب أو حتى رأى بقعة دم على أرض الميدان .. ومن أصيب بطوبة أو خرطوش أو حيّ .. ومن التهب صدره وعيناه بالغاز المسيل للدموع .. ومن تلون جسده بتوقيع هراوات الأمن المركزي أو الشرطة العسكرية .. ومن اعتقل أو سُجن أو حوكم عسكرياً .. ومن زار المشرحة بعد مذبحة من المذابح .. ومن شارك في تشييع جنازة أحد الشهداء ورأى المعنى الحقيقي للحسرة في عيون امه .. فإن أياً من هؤلاء لن ينتخب شفيق أو موسى .. لأنه يعلم أن الثمن المدفوع أكبر من هذا وذاك.

ثانياً : على الرغم مما يدعيه مرشحي الثورة من اعلاء مصلحة الوطن على مصلحتهم الشخصية الا ان ما نرى من تصرفاتهم يؤكد العكس .. منهم من هو موقن باستحالة فوزه في الجولة الأولى ناهيك عن الاعادة ولكنه مصرّ على خوض المنافسة .. إما بسبب رومانسية ثورية سخيفة ليس هذا هو الوقت الأمثل لممارستها .. و إما عن كبرياء شخصي في وقت شديد الخطورة ايضاً .. الأمر أشبه بدكتور يجري عملية قلب مفتوح في غرفة معقمة ثم يخلع كمامته ليعطس ! .. فعلى الرغم من أنه فعل طبيعي وتافه في أي وقت آخر إلا أنه لسوء التوقيت قد يقتل المريض.

في رأيي الشخصي فإن عبدالمنعم أبو الفتوح هو صاحب أكبر فرصة في الفوز من بين المرشحين الثوريين ولذلك فقد كان واجباً على خالد علي وحمدين صباحي أن ينسحبا لصالحه بدلاً من حالة التفتيت العنيفة في الكتلة التصويتية التي نراها والتي-في رأيي الشخصي أيضاً- سيخسر بسببها ثلاثتهم .. ولو كنت أستطيع أن اقنع ابو الفتوح بالانسحاب لصالح صباحي لفعلت ..

وجزء آخر من المسؤولية يقع على الثوار انفسهم ممن سيختار خالد على مثلاً وهو يعلم باستحالة فوزه استمراراً لمسلسل الرومانسية في التوقيت الخاطئ .. أو من سينتخب حمدين صباحي لأن "أبو الفتوح شكله كدة اخواني وبيضحك علينا" .. تفتيت غير مبرر يصب في صالح الفلول والاخواني اللي مش بيضحك علينا.

ثالثاً : على الرغم من أني اكاد أكون مقتنع بأن الانتخابات سيتم تزويرها بشكل مباشر أو غير مباشر والشواهد على ذلك كثيرة جداً .. وأن المشهد كله هزلي يثير الضحك والبكاء معاً .. إلا أني لن أقاطع الانتخابات .. لأني بمشاركتي فإنني أقيم الحجة على القائم على الانتخابات -المجلس العسكري- .. فمشاركتي تعني أني قد طلبت ممارسة حقي .. فإذا قام بتزوير النتيجة فقد منعني واغتصب هذا الحق .. وحينها فإنه يحل لي أن أدافع عن حقي المسلوب بأي صورة أراها مناسبة وقتها .. أما اذا قاطعت فإني قد تخليت عن حقي طواعية وأنّي لي أن اطالب به بعد ذلك ؟ واذا كان "لا انتخابات تحت حكم العسكر" طب نمشيهم ازاي بغير الانتخابات ؟ والأكيد أن حتى المقاطع لن يكون له حق الاعتراض على الرئيس القادم بفرض نزاهة الانتخابات .. مشهد آخر من مشاهد الرومانسية في الوقت الحرج .. في الحقيقة فإني لا أجد أي وجاهة في فكرة المقاطعة.

رابعاً : لكي أكون متسقاً مع نفسي فإنني قررت أن احترم نتيجة الانتخابات اياً كانت حتى اذا أتت بأحمد شفيق .. فقط اذا شهد كافة المراقبون بنزاهة اجراءاتها ..  .. فأنا مقتنع تماماً بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ولعلي حتى هذة اللحظة لم أسمع مبررات لأنتخاب شفيق سوى أنه "رجل صارم" أو "رجل قوي" أو "رجل عسكري" لأن "مصر لازم يحكمها واحد عسكري" أو لأن "احنا شعب مابيجيش غير بضرب الجذمة"

فإذا ارتضى الشعب أن يصنع لنفسه فرعون آخر ليحكمه بالكرباج في ظل توافر بدائل عن ذلك .. فمن انا حتى أحجر على اختيار الشعب ؟!

إلا أنني ساعتها سأعتزل السياسة مشاركة ومتابعة .. لأني حينها لن أرى أمل حقيقي في التغيير ..

فقد قامت الثورة فهدمت جزء ضئيل من النظام .. فانطلق الشعب كالبرق في أول فرصة سانحة فنفض الغبار عن الجزء المهدوم وأعاد لصقه في مكانه مرة أخرى في تصرف أراه انا وقلة غيري غير مبرر وغير مفهوم ..

ربما نكون حمقى قليلي الفهم والخبرة والذكاء .. ارتكبنا خطأ فأسرع الشعب باصلاحه .. ربما نكون مجموعة من الحالمين السخفاء في زمن لا يسمح بأيهما .. لا أدري.

أخيراً : الدم فقط هو الصادق .. وماعداه كاذب.

نحن نشاهد التاريخ يُكتب .. فلنسترخي في مقاعدنا ونرى كيف تختار مصر مستقبلها.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Bird Gadget