دعونا نعترف ان الثورة كانت قد حادت بالفعل عن مسارها ..
صحيح اننا بذلنا في الستة أشهر الماضية جهد خرافي لردها لمسارها الأصلي .. كنا ننجح في بعض الأحيان ولكن لكما غفلنا أو انشغلنا بأمور جانبية .. انحرف مسارها بعض الشيء ..
لن أدخل في تفاصيل ولكن يمكن القول أن ما قامت الثورة لهدمه مازال قائماً .. وأن ما قامت الثورة لبناءه لم نبدأ في بناءه بعد ..
ثم يأتي يوم 8 يوليو .. الذي ان دل على شيء فعلى أنها ثورة أراد لها الله أن تنجح فلا يهم اي شيء آخر .. ولعلك قد لاحظت بعض المشاهد أثناء الثورة وحدثت نفسك قائلاً : سبحان الله .. داحنا لو ماكناش عملنا التصرف الفلاني ماكنتش الثورة نجحت .. أو : لو ماكانوش هما عملوا الحركة الفلانية كان زمانهم هما المنتصرين ..
مقتنع تمام الاقتناع أن الثورة تتحرك بيد الله .. وبما ان الله لا يريد لنا الا الخير .. فلا راد لنجاحها مهما كان ..
وأحدث مثال على الكلام ده ما حدث بين 8 الى 13 يوليو .. الثوار عادوا للاعتصام .. وقد كان امراً مطلوباً بعد ما اتأكدنا ان المجلس مابيمشيش غير بالشلاليت .. ثم بدأ التفكير في خطوات تصعيدية ، ومن هنا بدأت الثورة تحيد عن مسارها الأصلي مرة أخرى .. مروراً بغلق المجمع وقطع الكورنيش وحتى التفكير في قطع الممر الملاحي لقناة السويس - ! - وغلق البورصة ..
وكأنما غمامة قد نزلت على عيون المتظاهرين فمنعتهم من التمييز بين التظاهر السلمي وبين البلطجة .. فغلق مجمع التحرير بالقوة هو البلطجة بالتعريف .. وقطع الممر الملاحي لقناة السويس هو الأرهاب بالتعريف ..
ولأن الله كان قد أراد بالفعل للثورة أن تنجح .. فقد خرج علينا المجلس بخطاب اللواء محسن الفنجري .. والذي لم يكن لتأثيره علاقة بمحتواه أو حتى بالغرض الأصلي من اذاعته ..
* نظرة تحليلية للخطاب
خرج اللواء الفنجري بخطاب شديد اللهجة .. يحمل الكثير من الانذار والوعيد قائلاً أنه لن يسمح لأحد بالقفز على السلطة -في اشارة الى هتافات المتظاهرين بسقوط المشير والمجلس- .. وأن بعض التظاهرات قد انحرفت عن المسار السلمي -في اشارة ألى غلق المجمع وقطع الطرق- وأن الجيش لن يسمح باستمرار مثل هذة الأفعال التي تضر بمصالح البلاد العليا .. نص الخطاب
أنا واثق أن ما ترتب على هذا الخطاب هو الهام مباشر من الله لجميع الأطراف ..
فقد تنبه المعتصمون لحقيقة ما يفعلون .. وأدركوا أنهم لن يجنوا شيئاً من غلق المجمع سوى استعداء من ستتعطل مصالحهم جراء ذلك ..
وأدركوا أن أحد الأسباب الرئيسية لنجاح ثورة 25 يناير أنهم كانوا دائماً في خانة المعتدى عليهم .. والنظام السابق كان دائماً في خانة المعتدي
فإذا بغلق المجمع ينقل الثوار الى خانة المعتدي .. وبالتالي فقد اكتسبوا بالفعل سخط قطاع عريض من الشعب المصري .. حتى انه كان من الصعب حينها ان تركب اي وسيلة مواصلات دون أن تجد من يسب الثورة ويلعن الثوار ..
فقرر المعتصمون فتح المجمع وكان ذلك -في رأيي- لسببين :
1- ان غلق المجمع بالقوة يعطي الجيش الحق في التدخل لفض الاعتصام وفتح المجمع .. وقد كنا جميعاً مقتنعين وقتها انه اذا فشل هذا الاعتصام سواء بسبب الاختلافات بين القوى السياسية وبعضها .. أو بفضه بالقوة .. فقد اجهضت الثورة الى غير رجعة .. وبالتالي فتح المجمع يعيد الثوار الى مسار التظاهر السلمي .. ويضع الجيش في خانة المعتدي اذا قرر فض الاعتصام بالقوة
2- ان المتظاهرين لم يقصدوا حقاً ان يضروا بمصالح الناس .. ولعل هذا كان السبب الرئيسي في اعادة فتح المجمع
الأثر الثاني المباشر للخطاب هو الحشد ..
فبالرغم من لهجة الخطاب الحادة وصيغته المتوعدة كان الغرض منها هو الترهيب والردع .. جاءت النتيجة عكس ما كان يأمله المجلس -كعادة المصريين تجاه هذا النوع من الخطابات والأمثلة كثيرة قبل تنحي مبارك- فقد زاد عدد المعتصمين في ميدان التحرير وجميع ساحات الاعتصام في مختلف المحافظات .. كرد مباشر على الخطاب مفاده : أن المصريين لا يستجيبون للتهديد وأنه لا أحد يستطيع أن يملي أوامره على الارادة الشعبية .. وأن ما يريده الشعب سيكون رغم أنف الجيش نفسه ..
ولعل المجلس قد أدرك مضمون الرسالة واستوعبه جيداً .. فآثر السلامة وقرر أن يستجيب لمطالب المعتصمين .. بداية من التعجيل بهيكلة وزارة الداخلية مروراً بعلنية المحاكمات وحتى التعديلات الوزارية المرتقبة .. والبقية -في ظني- تأتي ..
أهم ما تعلمه المعتصمون من كل ذلك أن القوة الحقيقة للثورة تكمن في سلميتها .. سلمية حقيقية .. وكلما تمسكوا بالسلمية زادت مصداقيتهم وزاد رصيدهم عند الناس .. وكان اصعب على أعداء الثورة مهاجمتهم بأي شكل كان ..
يتبع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق